الفكر
الإسلامي
جاء
النبي – صلى
الله عليه
وسلم – برسالة
تشتمل
على كل ما
اتفق عليه
الأنبياء
السابقون
بقلم: أ. د.
محمد محمد أبو
ليلة
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن في الناس أنه جاءهم بالهدى ودين الحق جاءهم بالدعوة إلى الصراط المستقيم والدين القويم دين إبراهيم عليه السلام ودين الأنبياء جميعًا الذين دعوا كلهم إلى التوحيد وإلى عبادة الله وحده لا شريك له وإلى وجوب التمسك بالفضائل والبعد عن الرذائل. وقد جاء الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم برسالة تشتمل على كل ما اتفق عليه الأنبياء السابقون من هدى ونور وقيم صالحة للبشر؛ فالصراط المستقيم كان ولا يزال موجودًا؛ ولكن الإنسان دائمًا في حاجة إلى معرفته من خلال الوحي، كما هو واضح من هذه الآية التي بين أيدينا وكذلك من خلال هذا الدعاء القرآني ﴿اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيْمَ صِرَاطَ الَّذِيْنَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْـمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّيْن﴾، فإن الوصول إلى هذا الطريق والسير عليه نعمة من الله – عز وجل – بل هو من أكبر نعم الله على الإنسان.
﴿قُلْ
إِنَّنِيْ
هَدَانِيْ
رَبِّيْ إِلٰى
صِرَاطٍ
مُسْتَقِيْمٍ
دِيْنًا
قِيَمًا مِّلَّةَ
إِبْرَاهِيْمَ
حَنِيْفًا
وَمَا كَانَ
مِنَ الْـمُشْرِكِيْنَ﴾
الأنعام: آية161.
هذه
الآية تأتي
عقب الحديث عن
الكفار
وموقفهم من
القرآن
والإسلام وعن
التفرق في
الدين والسعي
في تفريق كلمة
المؤمنين(1).
وبعد
هذه الآية
يأتي قوله
تعالى: ﴿قُلْ
إِنَّ
صَلاتِي
وَنُسُكِي
وَمَحْيَايَ
وَمَمَاتِي
لله رَبِّ
الْعَالَمِينَ
* لاَ شَرِيكَ
لَهُ وَبِذٰلِكَ
أُمِرْتُ
وَأَنَا
أَوَّلُ
الْـمُسْلِمِينَ
* قُلْ
أَغَيْرَ
الله أَبْغِي
رَبًّا وَهُوَ
رَبُّ كُلِّ
شَيْءٍ وَلا
تَكْسِبُ كُلُّ
نَفْسٍ إِلا
عَلَيْهَا
وَلا تَزِرُ
وَازِرَةٌ
وِزْرَ
أُخْرَىٰ
ثُمَّ إِلَىٰ
رَبِّكُمْ
مَرْجِعُكُمْ
فَيُنَبِّئُكُمْ
بِمَا
كُنْتُمْ
فِيهِ
تَخْتَلِفُونَ﴾
الأنعام:
الآيات 162-164.
جاءت
هذه الآيات
لتؤكد إخلاص
رسول الله صلى
الله عليه
وسلم في دعوته
وشمول حياته
لكل طاعة وعمل
في سبيل الله
وفي سبيل
إعلاء قيم
الحق والعدل
والمساواة ﴿وَبِذٰلِكَ
أُمِرْتُ﴾
فقد كان صلى
الله عليه
وسلم مأمورًا
بأن يعمل بكل
ما جاء به من
تعاليم
وأوامر إلهية
دعا الناس
للعمل بها
والإخلاص
فيها.
وقد
جعل الله
تعالى سنة
نبيه منهجًا
ينبغي على كل
مسلم وداعية
أن يتخلق به
ونموذجًا
يتأسى به في
حياته ﴿إِنَّمَا
أَنْتَ
مُنْذِرٌ
وَلِكُلِّ
قَوْمِ هَاد﴾
الرعد: آية 7،
ويقول تعالى ﴿فَلِذَلِكَ
فَادْعُ
وَاسْتَقِمْ
كَمَا أُمِرْتَ
وَلاَ
تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَهُمْ
وَقُلْ
آمَنْتُ
بِمَا
أَنْزَلَ
اللهُ مِنْ كِتَابٍ
وَأُمِرْتُ
لِأَعْدِلَ
بَيْنَكُمْ اللهُ
رَبَّنَا
وَرَبُّكُمْ
لَنَا أَعْمَالُنَا
وَلَكُمْ
أَعْمَالُكُمْ
لا حُجَّةَ
بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ
اللهُ يَجْمَعُ
بَيْنَنَا
وَإلَيْهِ
الْـمَصِيْر﴾
الشورى: آية 15.
هدى
الله تعالى
رسوله محمدًا
صلى الله عليه
وسلم وأعدّه
للدعوة قبل أن
يكلّفه
بهداية الناس.
وذلك لأن
إعداد
الأنبياء
ليكونوا قدوة
صالحة وأسوة
حسنة من أهمّ
عوامل نجاح
دعوتهم
والتمكين لهم
في قلوب
المدعوين.
وقد
هدى الله
تعالى محمدًا
صلى الله عليه
وسلم لما كان
يحبه صلى الله
عليه وسلم من
الطريق المستقيم
والدين
القويم ومن حب
الخير والصلاح
والإصلاح.
وأمْرُ
الله تعالى
لرسوله
المعصوم صلى
الله عليه
وسلم على هذا
النحو يتضمن
زجرًا وتأديبًا
لهؤلاء الذين
يظنون أنهم
على هدى وهم أبعد
ما يكونون عنه
ولهؤلاء
المستكبرين
الذين يضلون
الناس عن
أنفهسم
ويضللهم
الناس كذلك عن
إدراك حقيقة
ما هم عليه
بالفعل من إفك
وضلالة وعما
ينتظرهم من
عذاب في
الدنيا
والآخرة.
يقول
تعالى: ﴿أُولَئِكَ
الَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ
الْكِتَابَ
وَالْحُكْمَ
وَالنُّبُوَّةَ
فَإِنْ
يَكْفُرْ
بِهَا
هَؤُلاءِ
فَقَدْ
وَكَّلْنَا
بِهَا
قَوْمًا
لَيْسُوا
بِهَا
بِكَافِرِينَ
* أُولَئِكَ
الَّذِينَ
هَدَى اللهُ
فَبِهُدَاهُمُ
اقْتَدِهِ
قُلْ لا
أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ
أَجْرًا إِنْ
هُوَ إِلا
ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ
* وَمَا
قَدَرُوا
اللهَ حَقَّ
قَدْرِهِ
إِذْ قَالُوا
مَا أَنْزَلَ
اللهُ عَلَى
بَشَرٍ مِنْ
شَيْءٍ قُلْ
مَنْ أَنْزَلَ
الْكِتَابَ
الَّذِي
جَاءَ بِهِ
مُوسَى
نُورًا
وَهُدًى
لِلنَّاسِ
تَجْعَلُونَهُ
قَرَاطِيسَ
تُبْدُونَهَا
وَتُخْفُونَ
كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ
مَا لَمْ
تَعْلَمُوا
أَنْتُمْ وَلا
آبَاؤُكُمْ
قُلِ اللهُ
ثُمَّ
ذَرْهُمْ فِي
خَوْضِهِمْ
يَلْعَبُونَ﴾
الأنعام:
الآيات 89-91، في
هذه الآيات
إشارة إلى الأنبياء
الذين أرسلهم
الله تعالى
رحمةً بالعباد.
ومعنى
﴿فَإِنْ
يَكْفُرْ
بِهَا هٰؤُلَاءِ﴾
أي –
أهل مكة
وغيرهم من
سائر بني
الإنسان –
فإنهم إن
كفروا
بالنبوة
وبالكتاب
والحكم فإن
الله تعالى قد
وكلّ بدعوته
قومًا آخرين
هم المهاجرون
والأنصار
الذين حرصوا
عليها وافتدوها
بكل غال ونفيس
في حياتهم
وضَحَّوْا من
أجلها
بأرواحهم.
وقد
قال الله
تعالى: ﴿أَلَـمْ
يَجِدْكَ
يَتِيْمًا
فَآوٰى *
وَوَجَدَكَ
ضَالّاً
فَهَدَى﴾
الضحى:
الآيتان 6-7.
يعني أن الله
تعالى وجد
نبيه صلى الله
عليه وسلم
حائرًا في
تحديد أي من
طرق الخير
ينتهج وأي
سبيل يصل من
خلاله إلى
الطريق
المستقيم؛ إذ
أن على هذا
الطريق دلائل
وإشارات
كثيرة. فكانت
ضلالته صلى
الله عليه
وسلم في
نشدانه ضالته
لا تتمثل في
الاختيار بين
حق وباطل أو
بين أمور
باطلة وأمور
أخرى فاسدة
أيها يختار
وإنما كانت
للاختيار بين
وجوه الخير
المتعددة
وبين الطرق
المؤدية إلى الصراط
المستقيم
والدين
القويم.
وفي
هذه القرينة
تقول إن العرب
كانت تعبر عن
«الـمُحِبّ»
بـ«الضالّ»
وقد كان رسول
الله صلى الله
عليه وسلم
يحبّ ربه حتى
وصفه بعض
العرب بقولهم «لقد
عشق محمد
ربه». ويقول
البغوي في
معنى ﴿وَ
وَجَدَكَ
ضَالاًّ
فَهَدَى﴾ أي
وجدك ضالا عما
أنت عليه
فهداك
للتوحيد والنبوة.
قال
الحسن
والضحاك وابن
كيسان: ضالاًّ
عن معالم النبوة
وأحكام
الشريعة
غافلاً عنها
فهداك إليها
كما قال
تعالى: ﴿وَإِنْ
كُنْتَ مِنْ
قَبْلِهِ
لَـمِنَ الْغَافِلِيْنَ﴾
يوسف: آية3،
وقوله: ﴿مَا
كُنْتَ
تَدْرِي مَا
الْكِتَابُ
وَلاَ الْإِيْمَانُ
وَلٰكِنْ
جَعَلْنَاهُ
نُوْرًا نَهْدِي
بِهِ مَنْ
نَشَاءُ مِنْ
عِبَادِنَا
وَإنَّكَ
لَتَهْدِي
إِلٰى
صِرَاطٍ
مُسْتَقِيْمٍ﴾
الشورى: آية 52.
وقيل: ضالاًّ
لأنه قد ضلّ
الطريق إلى
أهله وهو صبي
في شعاب مكة
فهداه الله
تعالى إلى جده
عبد المطلب
راعيه.
وقد
هدى الله
تعالى محمدًا
صلى الله عليه
وسلم بالقرآن
لهداية الخلق
به وتولاّه
الله –
عز وجل –
بالتربية
ليربي به
الخلق. ومن
فارق الدليل
ضلّ السبيل: ﴿قُلْ
إنْ ضَللْتَ
فَإِنَّمَا
أَضِلّ عَلَى نَفْسِي
وَإِنِ
اهْتَدَيْتُ
فَبِمَا يُوْحِي
إليّ رَبّي
إِنّهُ
سَمِيْعٌ
قَرِيْبٌ﴾
سبأ: آية50.
ولا
دليل النا إلى
الله والجنة
إلا كتاب الله
وسنة رسوله
صلى الله عليه
وسلم: ﴿لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ
الله أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ
لِـمَنْ
كَانَ
يَرْجُو اللهَ
وَالْيَوْمَ
الآخِرَ
وَذَكَرَ
اللهَ كَثِيْرًا﴾
الأحزاب:
آية21، ﴿قُلْ
إِنْ
كُنْتُمْ
تُحِبُّوْنَ
اللهَ فَاتَّبِعُوْنِيْ
يُحْبِبْكُمْ
اللهُ
وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾
آل عمران:
آية31، ﴿إنّ هٰذَا
القُرْآنَ
يَهْدِي
لِلَّتِي
هِيَ أَقْوَمُ
وَيُبَشِّرُ
الْـمُؤْمِنِيْنَ
الّذِينَ
يَعْمَلُوْنَ
الصَّالِحَاتِ
أنّ لَهُمْ
أَجرًا
كَبِيْرًا﴾
الإسراء: آية9.
وقد
يكون الضلال
المشار إليه في
آية سورة
الضحى خاصًّا
بالأمور التي
ترك الرسول
صلى الله عليه
وسلم فيها
ترجيح أحد أطرافها
ووجوهها
المحتملة،
وليس في ما
فيه أمر من
الله تعالى
كما ذكرنا؛
فإن الضلال
يُعَبَّرُو
به عن كلّ
عدول عن
المنهج عمدًا
كان أو سهوًا
قليلاً كان أو
كثيرًا؛ فإن
الطريق المستقيم
–
الذي هو
المراد
والمرتضى –
صعب إدراكُه
جدًّا؛ فقد
يكون الهدف
واضحًا؛ ولكن
الوصول إليه
صعب وقد يقع
فيه الخطأ أو
الوهم
أحيانًا.
وفي
هذه القرينة
قال صلى الله
عليه وسلم :
«استقيموا
ولن تحصوا
واعلموا أن
خير أعمالكم
الصلاة ولا
يحافظ على
الوضوء إلا
مؤمن» ومعنى
«لن تحصوا» أي
لن تطيقوا
المداومة على
الاستقامة.
ولقد
كان رسول الله
صلى الله عليه
وسلم معصومًا
عن أي ضلال
مذموم سواء من
جهة نفسه
واختياره أم
من جهة أعدائه
وتدبيرهم ﴿مَا
ضَلَّ
صَاحِبُكُمْ
وَمَا غَوَىٰ
* وَمَا
يَنْطِقُ
عَنِ
الْهَوَىٰ *
إِنْ هُوَ
إلاّ وَحْيٌ
يُوْحَىٰ﴾
النجم: الآيات
2-4. وقد عصم الله
تعالى نبيه
صلى الله عليه
وسلم من
الوقوع في
الضلال الذي
كان يدبره له
الأعداء كما
في قوله
تعالى: ﴿وَلَوْلا
فَضْلُ الله
عَلَيْكَ
وَرَحْمَتُهُ
لَهَمَّتْ
طَائِفَةٌ
مِنْهُمْ
أَنْ يُضِلُّوكَ
وَمَا
يُضِلُّونَ
إِلا أَنْفُسَهُمْ
وَمَا
يَضُرُّونَكَ
مِنْ شَيْءٍ
وَأَنْزَلَ
اللهُ
عَلَيْكَ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَعَلَّمَكَ
مَا لَمْ
تَكُنْ
تَعْلَمُ
وَكَانَ
فَضْلُ اللهِ
عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾
النساء: آية 113،
وقد عصمه الله
عز وجل من
مكرهم وتخطيطهم
للقضاء على
دعوته يقول
تعالى: ﴿قُلْ
إِنِّي
نُهِيتُ أَنْ
أَعْبُدَ
الَّذِينَ
تَدْعُونَ
مِنْ دُونِ
اللهِ قُلْ لا
أَتَّبِعُ
أَهْوَاءَكُمْ
قَدْ
ضَلَلْتُ
إِذًا وَمَا
أَنَا مِنَ
الْـمُهْتَدِينَ
* قُلْ إِنِّي
عَلَى
بَيِّنَةٍ
مِنْ رَبِّي
وَكَذَّبْتُمْ
بِهِ مَا
عِنْدِي مَا
تَسْتَعْجِلُونَ
بِهِ إِنِ
الْحُكْمُ
إِلا للهِ
يَقُصُّ
الْحَقَّ وَهُوَ
خَيْرُ
الْفَاصِلِينَ
* قُلْ لَوْ
أَنَّ
عِنْدِي مَا
تَسْتَعْجِلُونَ
بِهِ لَقُضِيَ
الأمْرُ
بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ
وَاللهُ
أَعْلَمُ
بِالظَّالِمِينَ﴾
الأنعام:
الآيات 56-58.
بل
إن الله تعالى
يتوعّد
المعاندين
الضالين بالعذاب
الأليم بسبب
رفضهم للحقّ
الواضح ومناهضتهم
له يقول
تعالى: ﴿وَمَنْ
يُشَاقِقِ
الرَّسُولَ
مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ
لَهُ
الْهُدَى
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ
الْـمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ
مَا تَوَلَّى
وَنُصْلِهِ
جَهَنَّمَ
وَسَاءَتْ
مَصِيرًا﴾
النساء: آية 115.
ولقد
حرص جميع
النبيين على
هداية الخلق
وتحريك عوامل
النقاء
الفطري في
نفوسهم
ليهتدوا إلى
طريق الله وقد
أمدّنا
القرآن
الكريم بالكثير
من وسائل
تحبيب الهدى
إلى نفوس
الناس وترغيبهم
فيه. وهنا
يجمل بنا أن
نذكر أن من
أسماء الله
الحسنى
«الهادي»
و«النور» كما
أن من أسماء
القرآن
«الهدى
والنور» يقول
تعالى: ﴿قَدْ
جَاءَكُمْ
مِنَ اللهِ
نُورٌ
وَكِتَابٌ
مُبِيْنٌ﴾
المائدة: آية
15، النور هو
محمد صلى الله
عليه وسلم
والكتاب
المبين هو
القرآن
الكريم ﴿نُوْرٌ
عَلَى نُوْرٍ
يَهْدِي
اللهُ لِنُوْرِهِ
مَنْ يَشَاءُ﴾
النور: آية 35.
وقد
جعل الله
تعالى محمدًا
صلى الله عليه
وسلم نورًا
هاديًا، إذ
يقول تعالى: ﴿وَإِنَّكَ
لَتَهْدِى إلٰى
صِرَاطٍ
مُسْتَقِيْمٍ﴾
الشورى: آية 52،
ومما يتصل
بسياق هذه
الآية قوله
تعالى: ﴿وَالَّذِيْنَ
جَاهَدُوْا
فِيْنَا
لَنَهْدِيَنّهُمْ
سُبُلَنَا
وَإنَّ اللهَ
لَـمَعَ الْـمُحْسِنِيْنَ﴾
العنكبوت: آية
69. هذا وعد حق من
الله تعالى
بأن يهدي
هؤلاء الذين
يجاهدون
أنفسهم
وأهواءهم ابتغاء
هداية الله
تعالى لهم إلى
سبل الخير والحق
والفلاح وأن
يعينهم على
أنفسهم وعلى
الشيطان
وأعوانه.. ﴿قُلِ
اللهُ
يَهْدِي
لِلْحَقِّ
أَفَمَنْ يَهْدِي
إِلَى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ
يُتَّبَعَ
أَمْ مَنْ لا
يَهِدِّي
إِلا أَنْ
يُهْدَى
فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ
تَحْكُمُونَ﴾
يونس: آية 35، ﴿وَالّذِيْنَ
اهْتَدَوْا
زَادَهُمْ
هُدًى وَآتَاهُمْ
تَقْوَاهُمْ﴾
محمد: آية17.
﴿ذَلِكَ
هُدَى اللهِ
يَهْدِي بِهِ
مَنْ يَشَاءُ
وَمَنْ
يُضْلِلِ
اللهُ فَمَا
لَهُ مِنْ
هَادٍ﴾
الزمر: آية 23. أي
أن من اعتنوا
بطلب الهداية
وقصدوا إليها
بصدق وعملوا
من أجلها فإن
الله تعالى
سوف يعينهم
عليها
ويزيدهم منها
هذا بالإضافة
إلى ما حصلوه
من ثواب
بأعمالهم
ونياتهم فإن
الله تعالى
سيتفضل عليهم
بالمزيد
كرامة منه
سبحانه
وتعالى لهم.
كما في قوله
تعالى: ﴿وَمَنْ
يُؤْمِنْ
بِاللهِ
يَهْدِ
قَلْبَهُ﴾
التغابن: آية 11.
وهداية القلب
تعني تحبيب
العمل الصالح
إليه وتطويعه
له بحيث يقبل
الإنسان على
فعله في سهولة
ويسر أو بشيء
من المجاهدة يسير.
يقول
تعالى: ﴿وَلَوْ
أَنَّهُمْ
فَعَلُوا مَا
يُوعَظُونَ
بِهِ لَكَانَ
خَيْرًا
لَهُمْ وَأَشَدَّ
تَثْبِيتًا *
وَإِذًا
لآتَيْنَاهُمْ
مِنْ
لَدُنَّا
أَجْرًا
عَظِيمًا *
وَلَهَدَيْنَاهُمْ
صِرَاطًا
مُسْتَقِيمًا﴾
النساء:
الآيات66-68.
وجاء
في ذلك أيضًا
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ
يَعْتَصِمْ
بِاللهِ
فَقَدْ
هُدِىَ إلَى
صِرَاطٍ
مُسْتَقِيْم﴾
آل عمران: آية
101، وقوله: ﴿وَمَنْ
يَهْدِ اللهُ
فَهُوَ
الْـمُهْتَدُ﴾
الإسراء: آية
97، أي أن طالب
الهدى
ومتحريه هو الذي
يوفقه الله
تعالى ويهديه
إلى طريق
السعادة في
الدنيا
والآخرة. أما
الضال الكذاب
الذي يحيد
متعمدًا عن
طريق الحق فإن
الله تعالى لا
يهديه لأنه
ليس في نيته
أن يهتدي يقول
تعالى: ﴿إنّ
اللهَ لاَ
يَهْدِي مَنْ
هُوَ كَاذِبٌ
كَفَّارٌ﴾
الزمر: آية3.
والله
تعالى لم يخلق
أحدًا من
الناس ليضله
بل إنه خلق
الكل على
الفطرة سواء.
يقول صلى الله
عليه وسلم:
«كل مولود
يولد على
الفطرة».
وقد
هدى الله
تعالى الكل – أصلاً – إلى
معرفة طريق
الخير وطريق
الشر ﴿وَهَدَيْنَاهُ
النَجْدَيْن﴾
البلد: آية10، ﴿إنّا
هَدَيْنَاهُ
السَّبِيْلَ
إمَّا شَاكِرًا
وَإمَّا
كَفُوْرًا﴾
الإنسان:
آية3، ﴿وآتَيْنَاهُمْا
الكِتَابَ
الـمُسْتَبِيْن
*
وهَدَيْنَاهُمَا
الصِّرَاطَ
الـمُسْتَقِيْم﴾
الصافات:
الآيتان 117-118.. ﴿وإنّ
اللهَ
لَهَادِ
الَّذِيْنَ
آمَنُوْا إلى
صِرَاطٍ
مُسْتَقِيْمٍ﴾
الحج: آية 54.
وتأتي هذه
الهداية بعد
مرحلة الفطرة
والنشأة
والبلوغ.
أما
من مال بطبعه
بعد التكليف
عن الهدى وجنف
عنه أو أحب أن
يترك نفسه على
هواها ولم
يتبع الحق ولم
يقوم نفسه
بحسب ما جاء
به النبيون
والمرسلون،
فإن الله
تعالى يضله
بإضلاله
لنفسه وبحبه
للضلال ﴿وَاللهُ
لاَ يَهْدِي
الْقَوْمَ
الفَاسِقِيْنَ﴾
التوبة: آية 24،
بمعنى أنه
سبحانه
وتعالى لا يوفقه
لأنه رافض
للهداية
متمرد على شرع
الله خارج
عليه.
ويؤكد
هذا قوله
تعالى: ﴿وَأَمَّا
ثَمُوْدُ
فَهَدَيْنَاهُمْ
فَاسْتَحَبُّوا
الْعَمَى
عَلَى
الْهُدَى
فَأَخَذَتْهُمْ
صَاعِقَةُ
الْعَذَابِ
الْهُوْنِ
بِمَا
كَانُوْا
يَكْسِبُونَ *
وَنَجَّيْنَا
الَّذِيْنَ
آمَنُوا
وَكَانُوْا
يَتَّقُوْنَ﴾
فصلت: الآيتان
17، 18.
﴿وَأمَّا
ثَمُوْدُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾
.. أي الهداية
العامة أو
أننا دللناهم
على الخير
والشر ووضعنا
أقدامهم على
طريق الهداية
ودعوناهم
إليها
ويسرناها لهم ﴿فَاسْتَحَبُّوا
الْعَمَى
عَلَى
الْهُدَىٰ﴾.
وينبغي
أن نلاحظ هنا
المعنى
الزائد في
كلمة ﴿فَاسْتَحَبُّوا
الْعَمٰى﴾
وهي بمعنى
اختاروه
وفضلوه فإنها
لا تفيد أنهم
أحبوا العمى
واختاروه مرة
واحدة
وتحولوا إليه
بسرعة وإنما انتقلوا
إليه
واستدعوه
بأ،فسهم
لأنفسهم وزينه
لهم الشيطان
على مراحل أو
شيئًا فشيئًا
فكانت منهم
الغواية
والضلال وكان
مصيرهم أن أهلكهم
الله
بالطاغية
لطغيانهم ﴿فَأَمَّا
ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا
بالطَّاغِيَةِ﴾
الحاقة: آية 5.. ﴿فَأَخَذَتْهُمْ
صَاعِقَةُ
العَذَابِ
الهُوْنِ
بِمَا
كَانُوا
يَكْسِبُوْنَ﴾.
﴿وَنَجَّيْنَا
الَّذِيْنَ
آمَنُوْا
وَكَانُوا
يَتَّقُوْنَ﴾
هؤلاء
المؤمنون
الذين نجوا من
العذاب هم الذين
قبلوا ما جاء
به رسول الله
صلى الله عليه
وسلم من هدى
وعملوا به
وأحسنوا في
عملهم وأخلصوا
فيه لله عز
وجل.
وصدق
الله تعالى إذ
يقول: ﴿وَالّذِيْنَ
اهْتَدَوْا
زَادَهُمْ
هُدًى﴾..
ومعنى ﴿اهتدوا﴾
أي شرعوا في
الهداية
ومالوا إليها
واتجهوا نحوها.
يقول
تعالى: ﴿فَمَنِ
اهْتَدَى
فَإِنَّمَا
يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ
وَمَنْ ضَلَّ
فَقُلْ
إنَّمَا مِنَ
الْـمُنْذرِيْنَ
* وَقُلِ
الْحَمْدُ
للهِ﴾ النمل:
الآيتان92، 93،
والاهتداء
هنا يعني طلب
الهداية
وتلمس السبل
والوسائل
المعينة على التوصل
إليها ثم
مواصلة السعي
في ذلك
والتمسك به
على الدوام.
يقول
تعالى: ﴿وَإنّي
لَغَفَّارٌ
لِـمَنْ
تَابَ
وَآمَنَ
وَعَمِلَ
صَالِحًا ثُمّ
اهْتَدَى﴾
طه: آية 82. ﴿أُولٰئِكَ
عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ
مِنْ
رَّبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ
وَأُولٰئِكَ
هُمُ
الْـمُهْتَدُوْنَ﴾
البقرة: آية 157.
ومن
الناس من يفضل
الغواية على
الهداية ﴿أُوْلٰئِكَ
الّذِيْنَ
اشْتَرَوُا
الضَّلاَلَةَ
بِالْهُدَىٰ
فَمَا
رَبِحَتْ
تِجَارَتُهُمْ
وَمَا كَانُوْ
مُهْتَدِيْن﴾
البقرة: آية 16، ﴿قَدْ
ضَلُّوْا
وَمَا
كَانُوْا
مُهْتَدِيْن﴾
الأنعام: آية140.
والله تعالى
لا يجبر أحدًا
على الإيمان
أو الكفر يقول
تعالى ﴿لاَ
إِكْرَاهَ
فِي الدِّيْن﴾
البقرة: آية 256، ﴿وَقُلِ
الحَقُّ مِنْ
رَبِّكُمْ
فَمَنْ شَاءَ
فَلْيُؤْمِنْ
وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ﴾
الكهف: آية 29، ﴿وَلَوْ
شَاءَ
رَبُّكَ
لآمَنَ مَنْ
فِيْ الأَرْضِ
كُلّهُمْ
جَمِيْعًا
أَفَأَنْتَ
تُكْرِهُ
النَّاسَ
حَتّى
يَكُوْنُوْا
مُؤْمِنِيْنَ﴾
يونس: آية 99، ﴿لَيْسَ
عَلَيْكَ
هُدَاهُمْ
وَلٰكِنَّ
اللهَ
يَهْدِي مَنْ
يَشَاء﴾
البقرة: آية 282.
ويقول
تعالى: ﴿وَمَا
أَنْتَ
بِهَادِ
العُمْيِ
عَنْ ضَلاَلَتِهِمْ﴾
الروم: آية 53. ﴿إنّ
الذِيْنَ
ارْتَدَوْا
عَلَى
أَدْبَارِهِمْ
مِنْ بَعْدِ
مَا
تَبَيَّنَ
لَهُمُ الهُدَى
الشَّيْطَانُ
سَوَّلَ لَهُمْ
وَأَمْلَى
لَهُمْ﴾
محمد: آية 25.
هذا
الانحراف عن
طريق الهدى من
بعد أن تبين
لسالكه إنما
هو من تسويل
الشيطان ومن
إملاءاته المضللة.
يقول
تعالى: ﴿قُلْ
أَنَدْعُو
مِنْ دُونِ
اللهِ مَا لا
يَنْفَعُنَا
وَلا
يَضُرُّنَا
وَنُرَدُّ
عَلَى
أَعْقَابِنَا
بَعْدَ إِذْ هَدَانَا
اللهَ
كَالَّذِي
اسْتَهْوَتْهُ
الشَّيَاطِينُ
فِي الأرْضِ
حَيْرَانَ
لَهُ أَصْحَابٌ
يَدْعُونَهُ
إِلَى
الْهُدَى ائْتِنَا
قُلْ إِنَّ
هُدَى اللهِ
هُوَ الْهُدَى
وَأُمِرْنَا
لِنُسْلِمَ
لِرَبِّ
الْعَالَمِينَ﴾
الأنعام: آية 71.
ويقول
تعالى: ﴿إنَّ
الَّذِيْنَ كَفَرُوْا
وَصَدُّوا
عَنْ
سَبِيْلِ
اللهِ وَشَاقُّوْا
الرَّسُولَ
مِنْ بَعْدِ
مَا تَبَيَّنَ
لَهُمُ
الهُدَى لَنْ
يَضُرُّوا اللهَ
شَيْئًا
وَسَيُحْبِطُ
أَعْمَالَهُمْ﴾
محمد: آية32.
ولو
عمل الإنسان
طبقًا لقواعد
الهداية الربانية
ثم أشرك مع
الله شيئًا أو
ساء سلوكه فإن
الهداية تذهب
عنه ويحبط
عمله يقول
تعالى: ﴿ذٰلِكَ
هُدَى اللهِ
يَهْدِي بِهِ
مَنْ يَشَاءُ
مِنْ
عِبَادِهِ
وَلَوْ
أَشْرَكُوْا
لَحَبِطَ
عَنْهُمْ مَا
كَانُوْا
يَعْمَلُوْنَ﴾
الأنعام: آية 88.
يقول
تعالى: ﴿فَأَقِمْ
وَجْهَكَ
لِلدِّينِ
الْقَيِّمِ مِنْ
قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَ
يَوْمٌ لا
مَرَدَّ لَهُ
مِنَ اللهِ
يَوْمَئِذٍ
يَصَّدَّعُونَ
* مَنْ كَفَرَ
فَعَلَيْهِ
كُفْرُهُ
وَمَنْ
عَمِلَ
صَالِحًا
فَلأنْفُسِهِمْ
يَمْهَدُونَ *
لِيَجْزِيَ
الَّذِينَ
آمَنُوا
وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ
مِنْ
فَضْلِهِ
إِنَّهُ لا
يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾
الروم: الآيات
43-45.
في
هذه الآيات
الأخيرة أمر
لرسول الله
صلى الله عليه
وسلم أن يتوجه
بقلبه ووجهه
إلى الإسلام
وهو الدين
المستقيم
الواضح السهل
الذي يخاطب
الله به الروح
والقلب
والعقل في
الإنسان ليهديه
به إليه.
والوجه
هو الوجهة
والتوجه وقد
ذكر الله الوجه
لأنه أشرف ما
في الإنسان
وأدل عليه كما
أن الوجه هو
عنوان
الإخلاص أو
النفاق، العز
أو الذل، الأمن
أو الخوف،
الصحة أو
المرض.
وهذا
يعنى أن الله
تعالى يطلب
منا أن نقدم
أعز ما عندنا
لدينه أن يظهر
إيماننا
وحبنا لديننا
في وجوهنا وفي
توجهاتنا
وبالتالي في
سلوكنا وأعمالنا
وأن نكون
دائمًا
متوجهين
للدين لا نفرط
فيه ولا
نخذله؛ لأن في
خذلانه
خذلاننا
وذلتنا
وهواننا على
أنفسنا وعلى
غيرنا.
وينبغي
أن يكون الدين
دائمًا وجهنا
وعنواننا
وهويتنا
ومصيرنا
والدين هو
أشرف ما أنعم
الله به
علينا.
ومن
الوجه اشتقت
الوجهة وهي
الجاه والمنزلة.
والوجه كذلك
هو السبيل
المقصود من
الكلام فلا
وجه لنا نلقى
به الله –
عز وجل –
يوم القيامة
تتكيز به سائر
البشر إذا هان
علينا ديننا
الذي هو قوام
حياتنا وعزنا.
وفي
هذه القرينة
نورد هذا
التفسير
لقوله تعالى: ﴿كُلُّ
شيءٍ هَالِكٌ
إلاَّ
وَجْهَهُ
لَهُ الْحُكْمُ
وَإِليْهِ
تُرْجَعُوْنَ﴾
القصص: آية88.
قيل
لأبي عبد الله
الرضا: إن بعض
العلماء يقول:
«الوجه زائد
(أي في
الإعراب وليس
في القرآن) والمعنى
كل شيء هالك
إلا هو» فقال
«سبحان الله»!
لقد قالوا
قولاً عظيمًا
إنما عنى
بالوجه الذي
يؤتى منه
ومعناه: كل
شيء من أعمال
العباد هالك
إلا ما أريد
به وجه الله –
تعالى (2).
ومعنى
﴿يَوْمَئِذٍ
يَصَّدَّعُوْن﴾
أي يفرق بينهم
يوم القيامة
ويتفرقون
ففريق في
الجنة وفريق
في السعير هذا
اليوم لا
يستطيع أحد
رده أو
تأجيله. ﴿مَنْ
كَفَرَ
فَعَلَيْهِ
كُفْرُهُ﴾
نلاحظ أنه
تعالى قال في
حق الكفار: ﴿عليه﴾
التي تفيد
الثقل والشدة
والمعاناة
وعظم مسؤولية
الكافر تجاه
كفره في هذا
اليوم العصيب.
﴿وَمَنْ
عَمِلَ
صَالِحاً
فَلِأَنْفُسِهِمْ
يَمْهَدُوْنَ﴾
وأما الذين
آمنوا وعملوا
صالحًا فقد
مهَّدوا
طريقهم إلى
الله وعبدوه
وآمنوه
بطاعاتهم وأعمالهم
الصالحة.
وقد
قال الله
تعالى في
حقهم: ﴿فلأنفسهم﴾
باللام التي
تفيد الملكية
والخصوصية
زيادةً في
تفضله عليهم
وتمييزهم على
سائر البشر ومن
هذا التمييز
أن ساق إليهم
البشري في
الحياة الدنيا
وأنه تعالى
سيتم نعمته
عليهم في الآخرة.
وينبغي
أن تقرأ هاتين
الآيتين في
سياق الآيات
التالية: ﴿لِيَجْزِيَ
الَّذِينَ
آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
مِنْ
فَضْلِهِ
إِنَّهُ لا يُحِبُّ
الْكَافِرِينَ
* وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ
يُرْسِلَ
الرِّيَاحَ
مُبَشِّرَاتٍ
وَلِيُذِيقَكُمْ
مِنْ
رَحْمَتِهِ
وَلِتَجْرِيَ
الْفُلْكُ
بِأَمْرِهِ
وَلِتَبْتَغُوا
مِنْ
فَضْلِهِ
وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ *
وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا
مِنْ
قَبْلِكَ
رُسُلا إِلَى
قَوْمِهِمْ
فَجَاءُوهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ
فَانْتَقَمْنَا
مِنَ
الَّذِينَ
أَجْرَمُوا
وَكَانَ
حَقًّا
عَلَيْنَا
نَصْرُ
الْـمُؤْمِنِينَ﴾
الروم: الآيات
45-47.
وقوله:
﴿لاَ يُحِبُّ
الْكَافِرِيْنَ﴾
ليس معنى الحب
هنا الإرادة
بمعنى أنه
تعالى لا يريد
وجود
الكافرين
وإنما معناه:
أنه تعالى لا
يظهر عليهم
آثارَ رحمته
ولا تجليات
نعمته من
سكينة النفس
وطمأنينة
القلب وراحة
الضمير.
والله
تبارك وتعالى
لا يرضى لهم
الكفر دينًا ومع
ذلك فإنه
تعالى يرزقهم
ويجازيهم في
الدنيا عن
أعمالهم على
قدر اجتهادهم
فيها.
وقد
ختم الله
تعالى الآية
بقوله: ﴿وَكَانَ
حَقًّا
عَلَيْنَا
نَصْرُ
الْـمُؤْمِنِيْنَ﴾
ليقرر حقيقة
ربانية مهمة
وهي أن
المؤمنين لهم
الغلبة في
النهاية مهما
كانت صولة
الكفر والكافرين.
يقول
تعالى: ﴿إنْ
تَكْفُرُوْا
فَإنّ اللهَ
غَنِيّ
عَنْكُمْ
وَلاَ
يَرْضَى لِعِبَادِهِ
الْكُفْر﴾
الزمر: آية7،
من هذه الآية
نتبين أن الله
تعالى لا يرضى
الكفر من
عباده ولا
يأمرهم به بل
إن كل النبيين
قد اتفقت
دعوتهم على
وجوب الإيمان
بالله ووجوب
طاعته
وعبادته عز
وجل.
وقد
ذكر الله
تعالى في آيات
سورة الروم
أيضًا الرياح
المبشرات
التي هي من آياته
تنبيهًا على
تفرده بهذه
الأعمال العظام
التي لا يمكن
لبشر أن
يدعيها ولا
لمتأول أن
يصرفها عن
الله عز وجل
لا خلقًا ولا
تصريفًا وتدبيرًا(3).
وفي
الختام نقول
إن الله تعالى
قد علم رسوله
صلى الله عليه
وسلم ورباه وهداه
إلى الطريق
المستقيم
وإلى المنهج
القويم ثم
أمره تعالى
بأن يبلغ
رسالته إلى
الناس كافة،
ويدعوهم إلى
الهدى
والرشاد. وإنه
لمن أوجب
الواجبات على
الداعية أن
يتقلد هديه
صلى الله عليه
وسلم ويستن
بسنته في
دعواه
بالحكمة والموعظة
الحسنة
وبالطرق
الحكمية
المؤثرة دون
إفراط أو
تفريط.
﴿قُلْ
إنَّنِيْ
هَدَانِي
رَبِّي إلىٰ
صِرَاطٍ
مُسْتَقِيْمٍ
دِيْنًا
قِيَمًا مِلَّةَ
إِبْرَاهِيْمَ
حَنِيْفًا
وَمَا كَانَ
مِنَ
الْـمُشْرِكِيْنَ﴾.
* *
*
الهوامش:
اقرأ
الآيات (155-160) من
سورة الأنعام.
الفيروز
آبادي – بصائر
ذوي التمييز 5/166.
ابن
عطية – المحرر
الوجيز 11/466-470؛
البغوي معالم
التنزيل 4/234-235:
ابن كثير:
تفسير 3/57.
* * *
مجلة
الداعي
الشهرية
الصادرة عن
دار العلوم
ديوبند ،
ربيع الأول 1435
هـ = يناير 2013م ،
العدد : 3 ،
السنة : 38